الحياة في عالم افتراضي

(1)
أظنه الكتاب الأمريكي الراحل "نورمان ميللر" الذي قرأت له رأياً سلبياً أبداه حول الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، قائلا: إنها أكبر اختراع أنجزه العقل البشري، لإضاعة الوقت. وهو قول يصدق على مدمني الحياة مع العالم الاجتماعي، ومنتديات التعارف والدردشة، التى تستطقب حشود النساء والرجال، ويكفي أن نعرف ما يقوله أصحاب "الفيس بوك" عن ارتفاع عدد المشتركيين في السنوات الأخيرة من أصحاب الحسابات والصفحات، بحيث وصل خلال الأشهر الماضية إلى ألف ومائتين وثلاثين مليوناً من البشر، فأي رقم مهول، هذا الرقم؟ وأي فتح من فتوحات الاتصال والتواصل، وتقنياته الحديث، وصل إليه عالم اليوم؟ (مستشفى العقلاء)
وطبعا لا يمكن لأحد، مهما كان انتقاده لهذه الشبكة، أن يننكر الإضافة التى قدمتها لإنسان العصر الحديث، إن لم نقل التحول الإيجابي الذي أدخلته على حياته، والخدمات التى أتاحتها على مستوى قضاء الحاجات في المجالات الإدارية والمالية، وتحزين المعارف والمعلومات، وتيسير وصلوها إلى من يطلبها، وما حصل من إنجاز في عالم البيع والشراء وإدارة الأعمال والتسويق والدعاية والتجارة، إلى حد أن الشبكة صنعت عالماً غير عالم الواقع، متداخلا معه، ويتعامل أحياناً وفق قوانينه، ولكنه يمضي موازيا له، بل ويقدم إلى بعض الناس عالماً بديلا له، فيما اصطلح الناس على تسميته بالعالم الافتراضي.
(2)
لقد أصبح الكثيرون يعتمدون، في صناعة أصدقائهم، على الفضاء الافتراضي، ويختارونهم من بين من يتصلون بهم في رحاب هذا الفضاء، وبيننا من يملك أصدقاء افتراضيين، أكثر بكثير جدا من أصدقائه في واقع الحياة، بل هناك من صارت حياتهم مرتهنة لهذه الشبكة الى فتحت أمامهم هوايات يمارسونها، على مستوى القراءة والمشاهدة وربما الكتابة والدردشة، وتأخذ من وقتهم أكثر من الوقت الذي يقضيه الواحد منهم وهو يمارس هواياته في العالم الواقعي. (مستشفى العقلاء)
(3)
واقول عن نفسي إنني أتعامل مع هذا العالم الافتراضي منذ أكثر من خسمة عشر عاماً، دون إدمان ولا خضوع لسيطرته، وأتواصل مع أهله الافتراضيين تواصلا يومياً، بمعنى أنني لم أتخلف عن فتح صفحتي في "الفيس بوك" منذ إنشائه كما لم أتخلف عن إرسال وتلقي الرسائل عن طريق الإيميل طيلة هذه السنوات، لكنني لا أستطيع أن أقول إن من عرفتهم عن طريق العالم الافتراضي، يمكن أن يكونوا في منزلة أصدقائي في عالم الواقع، أو أن أعتمد على أحد منهم اعتمادي على صديق من أصدقاء الحياة، وقد حدث أن أجريت اختباراً صغير لهؤلاء حصل بعد سنوات من التواصل عبر الشبكة، تكررت خلالها رغبات الالتقاء شخصيا وواقعياً، فضربت موعدا للقاء هؤلاء الأصدقاء في مدينة إقامتي، وأخذت منهم وعداً بالمجئ إلى اللقاء في منتدي ثقافي، حيث رتبت لمحاضرة أقوم بإلقائها، ونقاش يعقب المحاضرة، وحفل شاي للحاضرين، وألححت على النادي أن يعطيني أكبر قاعة، لأنني خشيت أن يصل كل أصدقائي الافتراضيين، وهم كثير فلا يجدون قاعة تكفي لأعدادهم الوفيرة، وحدث ما لم اكن أتوقعه، لكنني لم أكن أستغرب حدوثه بسبب ضعف ثقتي في مثل هذه الصداقات الافتراضية، وهو أنه لم يحضر منهم أحد إطلاقاً، ولا حتى صديق واحد، وهذا يرجع لأسباب كثيرة نذكرها في موضوعات قادمة بإذن الله تابعونا على مستشفى العقلاء.

د. أحمد إبراهيم - مستشفى العقلاء

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال