90 عاما من الحب الحلال

عجوزا يناهز الـ 90 يجلسُ عند قدم زوجته وهى على سرير الموت (إنه الحب الحلال)
(1)
لقد رأيتُ اليومَ مَنْظَراً يخلعُ القلبَ، وجدتُ عجوزاً يناهز التسعين أو جاوزها يجلسُ عند قدمِ زوجتِه وهى على سرير الموت، وقد اتصلتْ بالحياةِ بسببٍ، وبالموت بكل سبب، فتحسبها فى الحياة، وما هى فى الحياة، إِنْ هو إلا نَفَسٌ أو بعضُ نَفَس، فقد تُخْرِج الزفيرَ فلا يعود، أو تأخذ الشهيقَ فلا يخرج، يبكى من البكاء أَمَرَّه، و يتوجع لا كالوجع، كأن مصابَه فى الناس كُلِهم، لا فى زوجه وحسب.  .(مستشفى العقلاء)
يُنَهْنِه كمرأة فقدتْ رَجُلَها؛ ففقدت معه قلبَها و أمنَها و قوتَها و كلَ شئ يمنعُ الحياةَ عنها، لا كرجل فقد زوجتَها، و يتلاعب به البكاءُ كما يتلاعب بطفلٍ ماتت أمُه و هو على صدرها، أو طفل تفتحت عيناه فرأى الموتَ يُغْلِق عينَ أبيه، و قصمه المصابُ كما تقصم المنيةُ ظهرَ رجلٍ فقد أخاه الذى لا يعرف فى الدنيا غيرَه بل لا يعرف الدنيا إلا بهَ.
(2)
مَنْ ذا يعجب من أمره؟!! إلا وكان العجب منه، أليستْ من كانت تقاسمه دمعَه كما كانت تقاسمه لقمة العيش؟!! أَوَ ليستْ من تجرعتْ معه الماضى، ورسَمَ بها المستقبلَ حتى كان حاضراً بين أيديهما ؟!! أو لم تكن أمنيةَ نفسِه يوم تَعَلَم كيف يتمنى؟!! (مستشفى العقلاء)
 وكانت درعَه يوم كان السيف إلى صدره، وسيفَه يوم أرد أن يستلَ حلمَه من أنياب الزمن، وها هى اليوم يفارقها؛ فيفارق رفيقَ دربِه، وطفلَه المدلل، وزوجه الكريم، وحلمه القديم، والأم الرءوم، والأخ الأمين، يُوَدّع فيها الأمس واليوم والغد، و يسئل المسكينُ لماذا لا يُكْمِلُ ملكُ الموت عمله؟!! هل له أن يَقْبِض نصف الروح، ويترك النصف الآخر معلقاً؟!! لقبضُه لها أيسر القبضين، وحياتُه بعدها لهى أصعب الموت، وهى الآخرى تُعِالج الموتَ وسكراته، وتعالج معه الغدَ الذى ستفارقه قبل أن تقابله، تعالجه أمنيةً ورجاءاً بأن يرحم زوجها ويكون له لا عليه، ولكن هيهات، فالزوجة بعضٌ من نَفْسِ الرجل، حتى إذا ماتتْ ذهبتْ نفسه ولم يبق منه بعض أو جزء من بعض، ويبقى يعيش بعدها على الذكرى، وما أمر الذكرى فى غير حينها كما كان أحلاها فى حينها !!

مصطفى صبرى – مستشفى العقلاء

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال