لا خيارَ لنا إلا التكاتفُ والتّعاونُ: فمُستقبلُ الأمةِ مسؤوليةُ الجميعِ!

ليس من الصعب أن يدرك العاقل البصير المتتبع للساحة الإعلامية فى الوطن العربى أن لهجة الإحساس بالخطر- تجاه الهجمة الشرسة على أرض المقدسات وعلى الفتية المدافعين عن شرف الأمة وعزتها وكيانها، وعلى القيم التى أرساها الإسلام بالنصوص القطعية على مدى القرون الماضية- قد خفت صوتها، وهدأ استنفار الطاقات الكامنة فى نفوس شعبنا الأبى، اللهم إلا من بعض الكتاب الذين يسبحون ضد التيار الهادر المفتون بالحضارة الغربية، المتعاون إلى أبعد الحدود مع نشر ثقافتها وتمثل قيمها والإشادة بنظمها وتقدمها ومعطياتها وترديد مفرداتها بالرغم من مجافاتها لثوابتنا وشريعتنا.
وقد يقوم هذا التيار بتزييف الحقائق وإخفاء مدلولاتها وتبرير ما يقوم به العدو نحو إخوة لنا فى الدين واللغة والوطن.. وترويج الانفصالية والانعزالية بين شعوب الأمة بحيث تنقطع أواصر التناصر بين أقطارها فينشغل كل قطر بهمومه ومشكلاته بعيدًا عن التفكير فى مصالح أمته، ويُرمى عبء الدفاع عن الأرض والعرض على شعب أعزل محاصر بكل أنواع القهر والذل والانكسار يطلب منه أن يقف بمفرده أمام هذه القوى الجبارة عسكريًا واقتصاديًا، فإذا تحرك بما يملكه وفجر نفسه فى أعدائه اتهم بأنه يعتدى على المدنيين وأنه من الإرهابيين، وإذا سكت واستسلم رمى بالجبن والخور والضعف والاستكانة..
وأمام هذا الضباب تختفى الحقائق الآتية:
(1)
أولاً: حقيقة الإخاء الإسلامى ووحدة الأمة، وهى حقيقة تنبع من توحيد الإله الخالق. ولم يشترط فيها وطن ولا لون ولا جنس ولا لغة، لحمتها وسداها الإيمان بالله وحده، «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، «إنما المؤمنون إخوة»، «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض»، «والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض» «وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر»، (مثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
(2)
ثانيًا: حقيقة الصراع بين الحق والباطل، من بدء الخليقة وإلى فناء العالم، وتلك سنة كونية حاكمة، لا يلتقى المتناقضان ولا يتقابل الضدان. فالباطل يحشد قواته ويصر على القضاء المبرم على الحق وأهله: «لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة»، «إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذن أبداً»، «ودَّالذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة»، «ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء»، «ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم»، وما لم يمتلك أهل الحق قوة الدفاع عن هذا التوجه العدوانى فسينتصر الباطل وسيهدم المقدسات «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا» وإذا امتلك أهل الحق وسائل القوة الرادعة استخذى أهل الباطل مؤقتًا ونشطوا فى تفعيل عوامل الضعف لدى أهل الحق حتى إذا لمحوا ثغرا غاب عنه حراسه انطلقوا منه يعربدون ويفسدون.
(3)
ثالثًا: حقيقة وضع إسرائيل فى هذه المنطقة من العالم إنهم ليسوا من نسل يعقوب ولا ممن عاش فى هذا الوطن إنهم مزيج مقزز من العقد النفسية والغطرسة والتذلل والمراوغة ومجافاة المنطق والتعامل الإنسانى، رحبت دول العالم فى الشرق والغرب بهجرتهم بعد أن ظهر فسادهم وخطرهم، واجتمعوا على العدوان والنهب وسفك الدماء ليس فيهم من هو مدنى ومن هو عسكرى فكل الإسرائيليين ذكورًا وإناثًا يخدمون بالقوات المسلحة من سن البلوغ إلى سن الشيخوخة إما فى صفوف الجيش العامل وإما بقوات الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم بطريقة سريعة وهم على مستوى من التدريب والكفاءة القتالية يسمح لهم أن يكونوا قوة فاعلة مع الجيش العامل بل إنهم يعدون عصب هذا الجيش. فمن يدعى أن هؤلاء مدنيون يعتدى عليهم الاستشهاديون يكون قد تجاوز هذه الحقيقة ووقع فى مخطط التزييف الذى تجيده الدعاية الإسرائيلية فى الأوساط الإعلامية.
(4)
رابعًا: حقيقة الغزو الفكرى والثقافى من أعدائنا محاولين تغيير قيمنا ومحو هويتنا ومستهدفين تغريب أفكارنا واهتماماتنا، فلذلك الأثر الفعال فى قبولنا بسيطرة الحضارة الغربية بكل منكراتها، وحيثما تأملنا فى سلوك شبابنا الذى تأثر بهذا الغزو نجد العجب العجاب فاهتماماته المعيشية قد انحصرت فى تحصيل أكبر قدر من متع الحياة بصرف النظر عن وسائل الحصول عليها فلا تهمه العفة ولا الكرامة ولا الصدق ولا الأمانة ولاالحفاط على حقوق الآخرين ولا الجهد الذى يجب بذله حتى يصل إلى ما وصل إليه غيره. أما اهتماماته الثقافية فلا تعدو البحث عن أخبار الكرة والنجوم والتمثيليات والأفلام والقصص والمسرحيات، والجدل والمراء فيما تفترق فيه حضارتنا الإسلامية عن الحضارات الأخرى محاولا أن يحذف من ثوابتنا ما يتناقض مع أنظمة الدول المتقدمة. وليس هذا الغزو بمستحدث فقد بدأ منذ وطئت أقدام المستعمر أرض الإسلام، وقرأنا للمستغربين مستقبل الثقافة فى مصر، وسمعنا من بعض زعمائنا من قال أريد أن تكون بلدى جزءًا من أوربا أو ولاية من ولايات أمريكا فى كل شىء. 
وأمام هذه الحقائق الغائبة عن أذهان شبابنا نجد الصراع محتوما ومستمرا فى أشكال مختلفة وأنماط متعددة خطط لها أعداؤنا بدقة واعتمدوا على غفلتنا وعلى ابتعادنا عن مصدر قوتنا وهو كتاب ربنا وسنة نبينا فإن نصوصهما ما فتئت تحذرنا وتوقظنا وتنبهنا إلى منابع الخطر وروافد التبعية حين وضحت لنا أن أعداءنا فى الداخل والخارج مستمرون فى الكيد لنا قال تعالى «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا» وحين شجعتنا على التواصى بالحق وتحصيل القوة والتواصي بالصبر بأن العاقبة هى النصر المبين «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز»، «والله متم نوره ولو كره الكافرون».

د. محمد مختار

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال