الفراغ الأخلاقي

إن خالطت الناس لفترات طويلة واستطعت أن تتعامل مع تنوعاتهم من حيث لغاتهم وتخصصاتهم المهنية وجنسياتهم وقومياتهم وانتماءاتهم وصفاتهم.
فبالتأكيد قد تكون قابلت أشخاصا لديهم الاستعداد الكامل لفعل أي شىء دون مراعاة لأي حدود ودون الالتزام بأية قواعد وضوابط فهم لا يملكون المبادئ أو العقيدة التى يحاربون من أجلها ويقتلون الفراغ الأخلاقي الموجود بداخلهم.
وينقسم البشر أصناف كثيرة منها:
(1)
من تعلم الأخلاق والمبادىء والقيم ثم كفر بها وربما يكون لديه مبررات أقنع نفسه بها فإن الأخلاق ومشتقاتها ليس لها اعتبار عنده في ظل العولمة والألفية الثالثة، فهو يستغل الفرص ويصعد على جثث الآخرين فقد يتنازل عن أي شىء حتى أهله وكرامته وشرفه ويملك من المبررات ما يجعله في راحة نفسية عميقة.
(2)
ومنهم من لديه فراغ أخلاقي ولكنه لم يتذوق المعاني الجميلة والأحاسيس الرائعة الموجودة في الأخلاق ومشتاقتها ولم يجد فرصة حقيقية لعلاج هذا الفراغ الأخلاقي.
(3)
وهناك نوع لا هو من النوع الأول ولا الثاني فهو هجين بين الاثنين تجده يكفر بالأخلاق ثم يعود حسب نزواته، فهو لديه القدرة على التكيف في أي وضع وفي النهاية هو يريد إشباع رغباته وإرضاءها أيا كانت النتيجة سواء وافقت مبادئ الأخلاق أم لا.
(*)
فمسألة الفراغ الأخلاقى مسألة عميقة تحتاج من الجميع العمل لمعالجة أسباب هذا الفراغ ومحاربته ثم قتله لإعادة بناء الإنسان من جديد حتى يعلم أن الأخلاق شىء عظيم.
فقد قصدت بالفراغ الأخلاقي عدم وجود مبادىء راسخة وعقيدة ثابتة تكون مرجعية للإنسان مما تجعله يقبل أي وسيلة للوصول لأي هدف يبغيه مهما كان الثمن.
فيجب أن ننتبه لهذه القضية على المستوى الشخصي والأسري والمجتمعي وننتبه لتحذيرات المتكلمين في إصلاح الأخلاق حتى نقتل تلك المفاهيم التي أوصلتنا للفراغ الأخلاقي وجعلت الهوة الأخلاقية كبيرة في المجتمعات بكل تنوعاتها.
وقد ورد في كتاب تهافت الفلاسفة هذا الجزء وهو منقول بتصريف حيث قال الإمام أبو حامد الغزالي:
يجب علينا أن نتوسط في الأمور وخاصة في الأخلاق فيجب علينا التوسط فلا ينبغي أن تبالغ في إمساك المال فيستحكم فيك حرص المال ولا في الإنفاق فتكون مبذراً ولا أن تكون ممتنعاً عن كل الأمور فتكون جباناً ولا منهمكاً في كل أمر فتكون متهوراً، بل يطلب الجود فإنه الوسط بين البخل والتبذير والشجاعة فإنها الوسط بين الجبن والتهور وكذلك في جميع الأخلاق.
ويمكن أن نصف الفضيلة بأنها وسط بين رذيلتين.
وقد أنهى الإمام أبو حامد الغزالي كلامه بقوله:
وعلم الأخلاق طويل ولا سبيل لتهذيب الأخلاق إلا بمراعاة الشرع في الأفعال والأقوال حتى لا يتبع الإنسان هواه فيكون قد اتخذ إلهه هواه بل عليه أن يقلد الشرع فيقدم ويحجم بإشارته لا باختياره فتتهذب به أخلاقه.
وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي في قوله المطابق للواقع والمؤيد لموضوعنا حيث قال: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"
آدم آدم –

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال