من أجل تأصيل هويتنا العربية (الهوية اللغوية)

 اللغة العربية الواقع والتحديات... من أجل تأصيل هويتنا العربية
- أهمية اللغة. 
- مميزات اللغة العربية.
- الاستعمار واللغة العربية.
-
القنوات الفضائية واللغة العربية 
-
أزمة التدريس.
-
الوظائف واللغة العربية.
اللغة على حد قول ابن منظور في لسان العرب، وأخذ به المعجم الوسيط  هي : "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"
ولم ترد كلمة (لغة) في القرآن الكريم بلفظها، وإنما جاءت بلفظ (لسان) كما قال الله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم".. "وأخي هارون هو أفصح مني لسانا".. "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين".
وذلك على سبيل المجاز المرسل بعلاقة الآلية لأن اللسان آلة البيان، وآلة التعبير والتواصل والتعارف، وهو ما خلق الله الناس شعوبا وقبائل من أجله "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
أهمية اللغة
واللغة العربية هي وعاء ثقافتنا ومرآة حضارتنا ومقياس دقيق لنهضتنا صعودا او هبوطا، رقيا أو تدنيا، وهذا ينطبق على كل اللغات، وإن كانت لغتنا قد حظيت بما لم تحظ  به اللغات الأخرى، حيث نزل بها كلام الله ـ عز وجل ـ الذي تكفل الله بحفظه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

وكما أن لغتنا هي لغة القرآن الكريم فهي أيضا لغة الحديث الشريف والصحابة الأجلاء وسلف الأمة من الفقهاء والأدباء والعلماء الذين قاموا بجهود عظيمة أثروا بها حياتنا الثقافية، وقد حافظت اللغة على هذا التراث الضخم لتفيد به البشرية قاطبة.
مميزات اللغة العربية
وتتميز لغتنا بثروتها الهائلة من المفردات، وبما تتسم به من الإيجاز والإعجاز، وبطواعيتها للمجازات والاستعارات والكنايات، وبما فيها من تشكيلات موسيقية عذبة آسرة،  يقول المستشرق الفرنسي إرينست رينان : من أغرب ماوقع في تاريخ البشر انتشار اللغة العربية، فقد كانت غير معروفة، فبدأت فجأة في غاية الكمال، سلسة، غنية، كاملة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفراداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها.
 وبانتشار الإسلام انتشرت لغتنا انتشارا واسعا بما تحمله من تراثنا الفكري والحضاري، وظلت لقرون عديدة في مقدمة لغات العالم الحية.
غير أنه ترتب على هذا الانتشار اختلاط العرب بغيرهم، ففشا اللحن في اللغة، وهب العلماء لوضع القواعد وتأليف العلوم للحفاظ على اللغة، سواء من حيث السلامة والصحة أو من حيث البلاغة وجمال التعبير.
الاستعمار واللغة العربية
ولكن عندما تمكن الاستعمار من الدول العربية حاول إبعاد اللغة العربية عن مجال التعليم تمكينا للغته وثقافته، ويدخل في ذلك محاولات الدولة العثمانية ثم المحاولات الفرنسية التي بدأت بالحملة الفرنسية على مصر ثم احتلال فرنسا للجزائر التي أصبحت لغتها ولغة معظم الشمال الإفريقي هجينا من الفرنسية والعربية بل إن كثيرا منهم يجيد الفرنسية أكثر من إجادته للعربية.
ووجدت أصوات من أبناء العرب تنادي بالتغريب.
 وأصبحت النظرة إلى العروبة وإلى اللغة العربية عند البعض نظرة دونية جعلتهم يستخدمون في حياتهم اليومية بعض الكلمات الأجنبية مثل : "Hi good   ok   buy    oh my god".
ووضعت كثير من الأسماء الأجنبية على واجهات الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية وهو أمر يفوق الحصر.
وشاع استقدام الكثيرين من غير العرب للعمل في كثير من المجالات لدينا، لدرجة يصعب على من لا يعرف الإنجليزية منا أن يتفاهم معهم، سواء في المستشفيات أو المطارات أو غيرها، وفي بعض بلادنا العربية يكاد هؤلاء الأجانب يكونون أكثر من أهل البلاد الأصليين، فيشيع استخدام اللغة الأجنبية ولا تكاد تجد أحدا يتكلم بالعربية.
القنوات الفضائية واللغة العربية

وفي إذاعاتنا وقنواتنا الفضائية يختار بعض المذيعين ومقدمو البرامج وقارئو نشرات الأخبار ممن لايجيدون نطق اللغة العربية الصحيحة، فينصبون المجرور ويرفعون المنصوب إلى غير ذلك بينما نجد مذيعي القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية أكثر إتقانا للغتنا.
أزمة التدريس
وتمشيا مع العولمة وتلبية ـ غير ضرورية وغير مبررة ـ  لمتطالباتها أصبح التدريس في كثير من مدارسنا وجامعاتنا باللغة الأجنبية بل تم تعديل بعض المناهج بما يصب في صالح اللغة الأجنبية ويقلل من شأن اللغة العربية  ولا أدل على ذلك مما حدث في مناهج المعاهد الأزهرية.
وكاتب هذه السطور شاهد على ذلك فقد حصل على الثانوية الأزهرية سنة 1967 في ظل قانون تطوير الأزهر الذي جعل كل المواد ذات الصلة باللغة العربية كالنحو والصرف والأدب وغيرها لها مجموع اعتباري (40 درجة) وكل المواد ذات الصلة بالدين كالقرآن الكريم والتفسير والفقه والحديث وغيرها لها نفس المجموع (40 درجة) بينما مادة الإنجليزي وحدها لها (60 درجة) ومن ثم فالطالب الذي يسعى للتفوق عليه أن يهتم باللغة الإنجليزية اهتماما أكبر بكثير من اهتمامه بمواده الدينية والعربية.
طغت العولمة وطغى الإعجاب بالنموذج الأمريكي خاصة والأجنبي عامة على أفكارنا وعلى سلوكنا فانتشرت المدارس الأجنبية في بلادنا ويفضل الكثيرون إلحاق أولادهم بتلك المدارس. وعلى النهج نفسه يزداد إقبالنا على الأطعمة والمشروبات الأجنبية.  كما يذهب بعض النساء الحوامل إلى بلاد الغرب ليضعن هناك ومن ثم يحصل المولود على الجنسية الأجنبية.
وفي مدارسنا تتدنى النظرة إلى اللغة العربية وينظر إلى مدرسيها نظرة دونية بل إن مسارحنا وأفلامنا السينمائية لا تجد من تهزأ به وتتخذه مادة للسخرية سوى مدرسي اللغة العربية.
الوظائف واللغة العربية
وفي مجال الوظائف يفضل دائما المجيد للغة الأجنبية.
وحتى على المستوى الرسمي والحكومي إذا زارنا بعض المسئولين الأجانب فإننا نرحب بهم ونقيم مؤتمرات صحفية  ونلقي كلمات بلغتهم هم وليس بلغتنا نحن، على عكس مايفعل هؤلاء في بلادهم إذ يرحبون بضيوفهم ويلقون كلماتهم بلغتهم هم وليس بلغة الضيوف.
ومن ثم يمكن أن ندرك أن العولمة أدت إلي ما يمكن أن يطلق عليه (أزمة الهوية اللغوية) حيث إن أبناء هذا العصر لا يعيشون اللغة التي تنتمي إليها مجتمعاتهم وإنما تنتمي هويتهم اللغوية إلى اللغة المهيمنة على المستوى الدولي.
وعند المواجهة بين الإنجليزية والعربية يتضح سيادة الأولى على الوسائل التكنولوجية ومجال المعلومات والاتصال الدولي.
هذا واقع لغتنا العربية وهو وضع ليس مرضيا ويتنافى وتأصيل هويتنا العربية والإسلامية، والأمة مطالبة بتغيير هذا الواقع إلى الأفضل.
وهناك فرص تساعد في هذا الاتجاه :       
فقد توافرت وسائل التكنولوجيا الحديثة كشبكات الإنترنت والقنوات الفضائية أمام اللغة العربية لتقدم لغير العرب مايفيدهم عن لغتنا وثقافتنا وهذا من الاستغلال الجيد للإمكانات الهائلة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في المجال اللغوي.
وهناك رغبة متزايدة في تعلم وتطبيق الاقتصاد الإسلامي في مواجهة النظم الاقتصادية الأمريكية وهذا يعني الاهتمام المتزايد باللغة العربية لكونها وسيلة الرجوع إلى المصادر الاقتصادية والفقهية الإسلامية.
وكذلك ظاهرة الإرهاب التي يحاول البعض من أعدائنا إلصاقها بنا قد دفعت الكثيرين ليقرأوا بأنفسهم عن الإسلام والقرآن ولغته.
ومما يقوي وضع اللغة العربية ضرورة التصدي للمنادين بالعامية إذ إن من مخاطر ذلك:
هجر لغة القرآن الكريم وأسرار إعجازه.  
تمزيق الوحدة اللغوية والوجدانية بين أبناء الأمة العربية.
ويدخل في هذا الإطار الاهتمام بالتعريب أي اعتماد اللغة العربية  لتدريس التخصصات الإنسانية والعلمية والتطبيقية، وقد نجحت اللغة العربية في عصورها المزدهرة في تعريب علوم الحضارات القديمة كاليونانية والفارسية والهندية، في علوم الفلسفة والمنطق  والطب، واللغة التي وسعت كتاب الله ـ تعالى ـ لن تضيق عن استيعاب العلوم المعاصرة ومواكبة التقدم العلمي.
ويرتبط بما سبق تنشيط حركة التأليف والترجمة من اللغة العربية وإليها، لأن ذلك يزيدها غنى وثراء فتتسع آفاقها بما يضاف إليها من علوم ومصادر جديدة، وتصبح أقدر على تأدية رسالتها والوفاء بمتطلبات العصر الحديث.
ولابد من الإشادة بدور العلماء والمثقفين العرب وجهود مجامع اللغة العربية وعقد الكثير من المؤتمرات للنهوض بلغتنا وتأصيل هويتنا، غير أن هناك ملاحظة جديرة بالنظر إليها، وهي أن لغة وأسلوب بعض الأبحاث المقدمة للنهوض باللغة العربية توجد فيها كثير من الأخطاء الأسلوبية والنحوية التي تتنافى وقواعد اللغة العربية وهذه مفارقة واضحة.
ولكي تؤتي جهود علمائنا أكلها لابد من مخاطبة الحكومات لإصدار القوانين المنفذة لما يجمعون عليه وتعتمده المؤتمرات المتخصصة، وإلا فستظل تلك الجهود بعيدة عن تحقيق الأهداف المرجوة منها.
د.عبد الفتاح البربري

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال