إنهم يسرقون الحج منا!

وما كدنا ننتهي من الشكوى من تحويل رمضان من شهر للعبادة والزهد والتقرب إلى الله إلى شهر للطعام والشراب والتسوق ومشاهدة البرامج التلفزيونية... حتى ألحقوا الحج برمضان - على غفلة منا - فأصبح مترفاً منعماً أيضا، وبدلاً من أن يكون الحج عبادة مميزة ورحلة تعبدية وسعياً مشكوراً وصبراً وجهاداً مأجوراً، صار رحلة سياحة فندقية، في راحة وَدَعة وأصبح بعضه إسرافاً مذموماً.
معاني الحج قد سُرِقت منّا! والحج اليوم ما عاد بِكراً، وإنما دخلته العولمة والمدنية:
(1)
كان من مقاصده الأساسية المساواة بين الناس، فخضع الحج للتفرقة العنصرية، وأصبح للأغنياء غرفات مبنية وبجانبها غرفات، ومرافق مجهزة بأحسن الخدمات، وموائد منصوبة طول النهار تحتوي على ما لذ وطاب؛ فبقي الأغنياء في رفاهيتهم وبقي الفقراء في عوزهم ومعاناتهم يتكدس مجموعة منهم في خيمة واحدة صغيرة، وبعيدة عن الجمرات، فيتكبدون -في حر مكة- مشقة المشي أو كلفة المواصلات.
(2)
المشقة - بل المشقات- وإن لم تكن مقصودة فإنها لا تنفك عن العبادات، وهي في الحجّ أشد وضوحاً، ولذلك جاء في الحديث أن جهاد المرأة الحج، فأبى بعض الناس إلا أن يكون حجهم سهلاً يسيراً، مما تسبب بتجاوزات بالإسراف والإنفاق؟! حتى لأصبحت كلفة حج عائلة واحدة راقية يساوي ثمن شقة في مصر أو جدة، وأصبح يكفي لإعالة سكان قرية سورية صغيرة، مدة شهر... وأخشى أن الحج الفندقي قد خلا -أحياناً- من الخشوع والطمأنينة وأصبح يشبه نزهة ترويحية
(3)
ومن أهم أعمال الحج وأكبرها أجرا "ذكر الله"، وإن وسائل التواصل الحديثة والمجموعات، والقص واللزق، وتوفر النت.. تكفلت بشغل الناس وملء وقتهم.
(4)
ومن مقاصد الحج تعلم "الصبر"، فهل سيتعلمه الحاج المترف؟ وما التجربة الفريدة التي سيتزود منها مَن عاش في نعيم؟
ولماذا يميلون للرفاهية وإن مشقة الحج لذيذة وفيها متعة كبيرة، وتجربة ثرية ومفيدة، وفيها سكن وقربى من الله... واسألوا من جربها، ولا تعجبوا؛ ألا يخرج الناس للخلاء وينامون أياما في العراء؟ ويعتبرونها نزهة كما تفعل العائلات، أو خبرة كما يفعل بعض الشباب والكشافة
فيا أيها المتنعمون
هذه فرصتكم فجرّبوا الحياة في الخيام، كونوا - لثلاث ليال فقط - مع المشرّدين والمبعدين، عيشوا حياة اللاجئين والمهجّرين، والفقراء والمساكين، وما أكثرهم اليوم!
جربوا الطعام القليل والوجبات الخفيفة، اكتفوا بالماء واستغنوا عن الشراب... فهذا أدعى للإحساس بمعاناة هؤلاء المسلمين الذين هم جزء منا، وأجدى للدعاء لهم والصدقة عليهم...
ونسأل الله الفرج ورفع الحرج عن أمته وعن المظلومين المبعدين.

عايده المؤيد 

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال