المخدرات وآثارها على الفرد والمجتمع

إن الله تعالى خلق الإنسان كريما وفضله على بقية المخلوقات بما منحه من عقل هو مناط تكليفه، ويحسن به الاختيار والتمييز بين ما ينفع وما يضر، والصواب والخطأ، والحق والباطل.
ولقد أنزل الله تعالى فى القرآن ما يقرب من اثنتين وسبعين آيه تدعو العقل للتفكر والتدبر. بل عاب القرآن على قوم (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا) (الحج:46).
ومن أجل الحفاظ على العقل وقدرته على القيام بمهمته أمر الله تعالى بالعلم وحرم الجهل، وحرم كل ما من شأنه أن يفسد العقل ويعطله، فحرم الخمر، ومنع العلماء الإكراه والتبعية باعتبارهما يعطلان العقل معنويا.
وإن مشكلة المخدرات من أكبر المشكلات في وقتنا الحاضر، والتي تستهدف الإضرار بعقول شباب الأمة وأبنائها، فهى تضر العقل نفسه، والجسد فتهلكه، والمال فتأكله، والأخلاق فتميتها، ومن ثم صار بيان حقيقتها وأضرارها وخطورتها مع بيان وسائل العلاج منها واجبًا شرعيًا على العلماء، وعلى الأسرة؛ بل على المجتمع كله.
(1)
أولاً: ما هي المخدرات المخدرات
 المخدرات هي كل مادة طبيعية أو مستحضرة في المعامل، من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية أو(الصناعية الموجهة) أن تؤدي إلى فقدان كلي أو جزئي للإدراك بصفة مؤقتة، وهذا الفقدان الكلي أو الجزئي تكون درجته بحسب نوع المخدر وبحسب الكمية المتعاطاة. كما يؤدي الاعتياد عليها إلى إدمانها بالشكل الذي يضر بالصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية للفرد.
و تعرف منظمة الصحة العالمية  المخدرات كالتالى:
"هي كل مادة خام أو مستحضرة أو تخليقية تحتوى عناصر منومة أو مسكنة أو مفترة  من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية  أن تؤدي إلى حالة من التعود أو الإدمان مسببة الضرر النفسي أو الجسماني للفرد والمجتمع".
(2)
ثانيا: أسباب تعاطي المخدرات (8 أسباب)
1- ضعف الوازع الديني: فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى من أكبر الموانع للانحراف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).
2- أصدقاء السوء: فالصحبة السيئة ورفاق السوء كثيرا ما يكونون سببًا في تعاطي المخدرات للرغبة في التقليد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير....) فعلى الإنسان أن يبحث عن أشخاص طيبين يثق بهم.
3- توفر المال مع وقت الفراغ: قد يكونان عاملين أساسين في إقبال الشباب على تعاطي المخدرات إذا لم يجد التوجيه السليم لقضاء وقت الفراغ بما هو نافع، في مقابل عدم وجود التوعية الرشيدة لطريقة الإنفاق المالي وفى الحديث: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة    ***    مفسدة للمرء أى مفسدة
4- الاعتقاد الخاطئ بأن المخدرات تزيل الشعور بالقلق والاكتئاب والملل، وتزيد في القدرة الجنسية.
5- الإهمال الأسري للجوانب التربوية، وكثرة المشكلات الأسرية بما يسهل انحراف الأبناء، فقد قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(التحريم:6) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته).
 6- حب الاستطلاع والفضول لفئة من الناس في تجربة أشياء غير مألوفة دون مبالاة لآثارها فيسقط في هاوية الدمار والهلاك. 
7- استخدام المواد المخدرة للعلاج استخدامًا سيئًا لا يتبع فيه إرشادات الطبيب مما يسبب له الإدمان. 
8- الصراع السياسي بين بعض الدول وسعيها للحصول على أسرار الآخرين، فالمخدرات هي البوابة السليمة لمثل هذه الصراعات.
(3)
ثالثا:الحكم الشرعي للمخدرات:
1- أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على تحريم المخدرات حيث  تؤدي إلى الأضرار في دين المرء وعقله وطبعه، حتى جعلت خلقا كثيرا بلا عقل، وأورثت آكلها دناءة النفس والمهانة.  قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90). 
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر حرام)، والخمر هو كل ما خامر العقل أو غطاه أو ستره بغض النظر عن مظهر المسكر أو صورته، وكل المخدرات مسكرة ومفترة وهي حرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام ) كما قال: (حرام على أمتي كل مفتر ومخدر).
(4)
رابعا: الآثار المترتبة على تعاطى المخدرات:
يؤدي تعاطي المخدرات إلى الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، وربما تؤدي إلى الجنون، كما أن المخدرات تصيب الإنسان بأمراض الكبد والاضطرابات الهضمية وأمراض السرطان وبالتالي تؤدي إلى الموت، وكما أن تعاطي المخدرات يؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية ومنها القلق والاكتئاب والكسل وعدم الاستطاعة على مواصلة الدراسة.
وإن مشكلة المخدرات من أخطر المشكلات الصحية والاجتماعية والنفسية التي تواجه العالم أجمع وطبقا لتقديرات المؤسسات الصحية  العالمية يوجد حوالي 800 مليون  من البشر يتعاطون المخدرات أو يدمنونها.
و الإدمان على مخدر ما، يعني تكون رغبة قوية وملحة تدفع المدمن إلى الحصول على المخدر وبأي وسيلة وزيادة جرعته من آن لآخر، مع صعوبة أو استحالة الإقلاع عنه سواء للاعتماد (الإدمان) النفسي أو لتعود أنسجة الجسم عضويًا، وعادة ما يعاني المدمن من قوة دافعة قهرية داخلية للتعاطي بسبب ذلك الاعتماد النفسي أو العضوي.
ولقد تضافرت عديد من العوامل السياسية، والاقتصادية والاجتماعية لتجعل من المخدرات خطرًا يهدد العالم أو كما جاء في بيان لجنة الخبراء بالأمم المتحدة.
 بيد أن لدينا القدرة والمرجع في ديننا الحنيف، ولنذكر جميعًا قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195).
(5)
خامسا:أضرار المخدرات
أ- الأضرار الاجتماعية والخلقية:
1- انهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع اللبنة الأولى للمجتمع وهي ضياع الأسرة.
2- تسلب من يتعاطاها القيمة الإنسانية الرفيعة، وتهبط به في وديان البهيمية، حيث تؤدي بالإنسان إلى تحقير النفس فيصبح دنيئًا مهانًا لا يغار على محارمه ولا على عرضه، ويفسد مزاجه ويسوء خلقه.
3- سوء المعاملة للأسرة والأقارب فيسود التوتر والشقاق، وتنتشر الخلافات بين أفرادها.
4- امتداد هذا التأثير إلى خارج نطاق الأسرة، حيث الجيران والأصدقاء.
5- تفشي الجرائم الأخلاقية والعادات السلبية، فمدمن المخدرات لا يأبه بالانحراف إلى بؤرة الرذيلة والزنا، ومن صفاته الرئيسية الكذب والكسل والغش والإهمال.
6- عدم احترام القانون، والمخدرات قد تؤدي بمتعاطيها إلى خرق مختلف القوانين المنظمة لحياة المجتمع في سبيل تحقيق رغباتهم الشيطانية.
ب- الأضرار الاقتصادية:
1- المخدرات تستنزف الأموال وتؤدي إلى ضياع موارد الأسرة بما يهددها بالفقر والإفلاس.
2- المخدرات تضر بمصالح الفرد ووطنه، لأنها تؤدي إلى الكسل والخمول وقلة الإنتاج.
3- الاتجار بالمخدرات طريق للكسب غير المشروع لا يسعى إليه إلا من فقد إنسانيته.
4- إن كثرة مدمنيها يزيد من أعباء الدولة لرعايتها لهم في المستشفيات والمصحات، وحراستهم في السجون، ومطاردة المهربين ومحاكمتهم.
ج- الأضرار الصحية:
1- التأثير على الجهاز التنفسي، حيث يصاب المتعاطي بالنزلات الشعبية والرئوية، وكذلك بالدرن الرئوي وانتفاخ الرئة والسرطان الشعبي.
2- تعاطي المخدرات يزيد من سرعة دقات القلب ويتسبب بالأنيميا الحادة وخفض ضغط الدم، كما تؤثر على كرات الدم البيضاء التي تحمى الجسم من الأمراض.
3- يعاني متعاطي المخدرات من فقدان الشهية وسوء الهضم، والشعور بالتخمة، خاصة إذا كان التعاطي عن طريق الأكل مما ينتج عنه نوبات من الإسهال والإمساك، كما تحدث القرح المعدية والمعوية، ويصاب الجسم بأنواع من السرطان لتأثيرها على النسيج الليفي لمختلف أجهزة الهضم.
4- تأثير المخدرات على الناحية الجنسية، فقد أيدت الدراسات والأبحاث أن متعاطي المخدرات من الرجال تضعف عنده القدرة الجنسية، وتصيب المرأة بالبرود الجنسي.
5- التأثير على المرأة وجنينها، وهناك أدلة قوية على ذلك. فالأمهات اللاتي يتعاطين المخدرات يتسببن في توافر الظروف لإعاقة الجنين بدنيا أو عقليا.
6- الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب النفسي المزمن وفقدان الذاكرة، وقد تبدر من المتعاطي صيحات ضاحكة أو بسمات عريضة، ولكنها في الحقيقة حالة غيبوبة ضبابية.
7- تؤدي المخدرات إلى الخمول الحركي لدي متعاطيها.
8- ارتعاشات عضلية في الجسم مع إحساس بالسخونة في الرأس والبرودة في الأطراف.
9- احمرار في العين مع دوران وطنين في الأذن، وجفاف والتهاب بالحلق والسعال.
10- تدهور في الصحة العامة وذبول للحيوية والنشاط.
(6)
سادسا: طرق الوقاية من المخدرات
1- زرع الوازع الديني لدى الأطفال في الصغر، والتمسك بأهداب الدين والثقة بالله تعالى والالتجاء إليه والتوكل علية هي العلاج الأكيد لكل المشكلات النفسية وهي الوقاية الأكيدة من كل الانحرافات ومنها تعاطي المخدرات، فلا شيء يعين المرء على تحقيق مآربه إلا بالإيمان فمن تسلح بها نجح ومن سار على الجادة وصل وأن يكون كل قصده هو التقرب إلى الله بترك محرماته.
2- على المتعاطي أن يتذكر كلما عزم على أخذ المخدر أن مخدره هذا سيزيد مشكلاته تعقيدًا.
3- كتابة أخطار تعاطي هذه المحرمات بخط واضح ووضعها في مكان بارز، وقراءتها بين آونة وأخرى حتى تتجدد العزيمة.
4- ملاحظة الحالة الصحية وتطورها، وعدم التذمر عند الشعور بآلام الرأس والعضلات، فعليه بالارتياح لأن هذه الآلام إشارة إلى تخلص أعضاء الجسم مما تراكم فيها من السموم.
5- مزاولة الرياضة بالشكل السليم والمستمر.
6- الانقطاع عن الأماكن التي اعتاد أن يتناول فيها تلك المواد، وكذلك الأصحاب الذين يتعاطونها.
7- إشغال وقت الفراغ بما ينفع في الدنيا والآخرة.
8- عقد صداقة دائمة مع الأبناء.
9- زرع الثقة المتبادلة بين الأهل والأبناء وتوطيد العلاقة القوية بينهم.        

هدانا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه
د/ محمد عبد رب النبي حسنين 

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال