سورة التكوير.. تهيج الساكن وتروع الآمن

(1)
تنبّهتُ على وقع آيات من سورة التكوير بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. وهو يتردد بين جدران غرفتي، فى هذه اللحظات الأولى من نهاية الليل وبداية الفجر، الذى يتولد منه صباح باكر.. ليستقبل يومًا جديدًا؛ حيث تشرق الشمس بعد ذلك فى نصف الكرة الجنوبي.. مكان إقامتى وموقعي المقدور فى هذا الكون الفسيح الأرجاء، الذى لا سلطان حقيقي فيه إلا سلطان الواحد القهار، ذى الجلال والإكرام..
(2)
تستغرقنى الآيات البيّنات فأنسى كل شيء يتعلق بالدنيا وما فيها ومن فيها.. حتى نفسى تذوب تحت سطوة مظاهر الجلال الإلهي، كما يقول صاحب الظلال:
الإيقاع العام للسورة أشبه بحركة جائحة.. تنطلق من عقالها.. فتقلب كل شيء.. وتنثر كل شيء؛ تهيّج الساكن وتروّع الآمن؛ وتذهب بكل مألوف وتبدل كل معهود.. وتهز النفس البشرية هزا عنيفا طويلا، يخلعها من كل ما اعتادت أن تسكن إليه، وتتشبث به؛ فإذا هي في عاصفة الهول المدمر الجارف ريشة لا وزن لها ولا قرار.. ولا ملاذ لها ولا ملجأ إلا في حمى الواحد القهار، الذي له وحده البقاء والدوام، وعنده وحده القرار والاطمئنان ..
(3)
ويضيف صاحب الظلال:
"في هذه السورة ثروة ضخمة من المشاهد الرائعة، سواء في هذا الكون الرائع الذي نراه، أو في ذلك اليوم الآخر الذي ينقلب فيه الكون بكل ما نعهده فيه من أوضاع.. وثروة كذلك من التعبيرات الأنيقة.. المنتقاة لتلوين المشاهد والإيقاعات.. وتلتقي هذه وتلك في حيز السورة الضيق، فتضغط على الحس وتنفذ إليه في قوة وإيحاء. "
(4)
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). 
(5)
ومع صوت الشيخ عبد الباسط بالغ الحساسية لمعاني الآيات، وأعماق الكلمات ووقعها الأخّاذ على الأنفس - تتكامل التأثيرات الروحية والحسية جميعًا، وتتناغم آيات القرآن مع آيات الكون.. فى هذا الصوت الذهبي.. حيث تذوب النفس فى ملكوت الجلال الإلهي، لتصحو فى نهاية السورة مع الصبح وهو يتنفّس ..
صباحكم قرآن، وقرب من الرحمن، الذى له الملك وله الأمر، هو يحيى ويميت وإليه النشور.
 محمد يوسف 

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال