النساء مصنع الرجال

يقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه العزيز: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ{ الآية ونحن فى خضم هذه الأحداث الجسام ويجب على المرأة المسلمة أن تتعرف على مسيرة جداتها السابقات فى عصرهن الزاهر لتدرك دورها الحضارى فى التاريخ الإسلامى لكى تقوم بعد ذلك بالدور المنوط بها، والمؤمل منها، حتى تسهم مع بقية بنات جنسها فى بناء صرح الدعوة إلى الله على بصيرة، ولتقف فى الصف المجاهد فتخط هى ومثيلاتها معالم النصر..
(1)
وأول ما يجب أن تعرفه المرأة المسلمة اليوم كيف أن جداتهاكن ايجابيات إلى أقصى درجة يشاركن فى كل المواقف جنبا إلى جنب الرجل المسلم، عالمات بأهمية الوقت فيسارعن بعمل أحب الأعمال إلى الله فى الوقت الذى يرضاه منهن... فها هى السيدة خديجة تحسن القيام بجميع الأدوار.. الأم والزوجة الودود والمجاهدة بمالها وبنفسها الثابتة على درب ربها المثبتة لزوجها، من حياها الله من فوق سبع سموات وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب..
وها هى عائشة رضى الله عنها المفعمة بالرقة والأنوثة تخرج مع الحبيب صلى الله عليه وسلم فى غزوة أحد هذه الغزوة التى سبقتها رؤية رآها النبى صلى الله عليه وسلم- وفهم منها وقوع بعض ما يكره فيها من قتل لأصحابه وغيره... فيذكر «أنس» قوله: «لقد رأيت عائشة بنت أبى بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانها فى أفواه القوم ثم ترجعان فتملأنها، ثم تجيئان فتفرغانها فى أفواه القوم» (رواه البخارى).. 
وأم سليم هذه أم أنس المجاهدة تعلم متى تحسن تبعل زوجها ومتى تربى ولدها ومتى تشارك أخواتها وتواسيهن ومتى تجاهد لتدفع عن دينها ومن يقرأ سيرتها يعجب كل العجب... فننظر إليها وهى تمسح دمعها وتتجهز لزوجها الآتى من السفر وتخفى عنه موت ابنهما حتى يجد عندها راحته ولا يٌصَدُّ عما ما يحب فأمر الله نافذٌ نافذ تصنع كل ذلك ورب العزة وحده يعلم ما فى قلبها...
ولكن لتترك الدرس لكل من تأتى من بعدها من نساء الأمة.
(2)
ثم ها هى أم سليم تعلم أين تربى ابنها وعلى أى مائدة فلا تجد خيرًا من محضن الحبيب صلى الله عليه وسلم فترسل «أنس» ابنها ليربى هناك..
ووقت الجد لا تتأخر ولا تتوانى ولا تنخذل مع المتخاذلين فنجدها فى غزوة حنين وهى الحامل تثبت مع القلة الثابتة مع النبى صلى الله عليه وسلم وتخفى خنجرًا بين طيات ثيابها لتواجه به العدو إن قاربها وتذود به عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أن احتاج الأمر لذلك..
ثم ها هى أسماء بنت يزيد بن السكن من قال لها النبى صلى الله عليه وسلم: «انصرفى يا أسماء وأعلمى من وراءك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال». فانصرفت وهى تهلل وتكبر استبشارًا بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيا حكيما وفهما سليما فلم تلزم بيتها وكفى، بل أحسنت فهم واجب الوقت فأحسنت تبعلها لزوجها وقت السلم، ولما جد الجد فى موقعة اليرموك شاركت وقتلت تسعة من الروم بعمود خبائها.
ومشاهد المسلمات الأوائل فى الجهاد بالنفس والولد كثيرة لا يتسع المقال لذكرها فهل ننسى جهاد السيدة «صفية» ومعها ابنها الزبير فى غزوة الأحزاب أو موقف أم عمارة ومعها ابناها وكلاهما تقاتلان بنفسها وبأولادها. 
وفى الجهاد بالمال يسارعن حتى يمتلىء ثوب عامل النبى صلى الله عليه وسلم بحليهن وهو من أنفس وأعز ما عند المرأة من مال ولكنه ليس بأعز من دينها..
(3)
ثم ها هى المرأة المسلمة نراها وقد اجتمع لها من وسائل التربية ما لم يجتمع لأخرى ممن سواها مما جعلها أعرف خلق الله بتكوين الرجال والتأثير فيهم وتثبيت دعائم الخلق العظيم بين جوانحهم فتقدم للبشرية جمعاء رجالاً ذلت لهم نواصى الحادثات أقرب إلى الكمال «كعلى بن أبى طالب» رضى الله عنه الذى تنقل بين صدرين من أملأ صدور العالمين حكمة فكان مغداه على أمه «فاطمة بنت أسد» ومراحه على خديجة بنت خويلد.
وكذلك عبد الله والمنذر وعروة أبناء الزبير نجدهم ثمرات أمهم أسماء بنت أبى بكر. وما منهم إلا له الأثر الخالد والمقام المحمود.. 
و «سفيان الثورى» فقيه العرب ومحدثهم كانت تقول له أمه كما يروى ذلك أحمد بن حنبل بسنده عن وكيع قال: «قالت أم سفيان له: يا بنى اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلى» فكانت رحمها الله تعمل، وتقدم له ليتفرغ للعلم وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة فتقول له: «يا بنى إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى فى نفسك زيادة فى خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك... فكان حريًا بهذا الابن الذى ترعرع فى كنف مثل هذه الأم الرحيمة وتغذى بلبان تلك الأم الناصحة التقية أن يتبوأ منصب الإمامة فى الدين.
وكذلك «الأوزاعى» قال الذهبى فى شأنه: قال الوليد بن مزيد: ولد «الأوزاعى» ببعلبك ورُبى يتيما فقيرا فى حجر أمه وتعجز الملوك أن تؤدب أولادها أدبه فى نفسه، ما سمعت منه كلمة فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى اثباتها عنه.. ولقد كان إذا أخذ فى ذكر المعاد أقول: تُرى فى المجلس قلب لم يبك؟! 
ولا نستطيع اليوم أن نغفل دور المرأة الفلسطينية المجاهدة الصابرة المحتسبة نجدها تقف جنب ابنها المقبل على العملية الاستشهادية فنراه يقبلها وهى ممسكة ببندقيته مبتسمة مقرة لصنيعه راغبة فى مشاركته الأجر مؤثرة الآخرة على الدنيا تقول بلسان حالها لأخواتها: سرن على درب جداتكن الأوائل، آثرن الآخرة على الدنيا، تاجرن مع ربكن بالنفس والمال والولد، تمثلن قول الشاعر:
كيف القرار وكيف يهدأ مسلم  *** والمسلمات مع العدو المعتدى
(4)
احرصن على الموت توهب لكن الحياة..
فإياكن والترف لأن الترف عدو الجهاد، والترف تلف للنفوس البشرية وأحذرن الكماليات، واكتفين بالضروريات، وربين أبناءكن على الخشونة والرجولة وعلى البطولة والجهاد.. لتكن بيوتكن عرينًا للأسود، وليس مزرعة للدجاج الذى يُسمن ليذبحه الطغاة، اغرسن فى أبنائكن حب الجهاد، وميادين الفروسية وساحات الوغى.. وعشن مشاكل المسلمين، وحاولن أن تكن يومًا فى الأسبوع على الأقل فى حياة تشبه حياة المهاجرين والمجاهدين.. 
وبعد ذلك العرض يتضح لنا أن حركة الإصلاح ستظل وئيدة الخطى، قليلة الأثر فى المجتمع إلى أن تشترك فيها شقائق الرجال- النساء- فتنشىء جيلاً من الفتيات على الإيمان والخلق والعفة والطهارة،. فيكن أقدر على نشر القيم والفضائل فى أوساط النساء من الرجال، فضلاً عن أنهن سيكن زوجات صالحات وأمهات حكيمات مربيات أفضل التربية.
فلنعمل جميعًا على أن تحمل الفتيات والزوجات لواء دعوة الإصلاح الإسلامى فى أوساط النساء لندفع عجلة الإصلاح الإسلامى إلى الأمام دفعًا قويًا لنقرب اليوم الذى يخضع فيه مجتمعنا الإسلامى لأحكام الإسلام وشريعته الغراء {فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4). {بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}(الروم/4،5).

كريمة عبد الغنى –

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال