إستراتيجية التوتر

معناها
إستراتيجية التوتر  تعنى بالإنجليزية (Strategy of tension)  هي إستراتيجية اتبعتها كل الأنظمة الاستبدادية تقريبًا، بل بعض الأنظمة الديمقراطية، لتخويف قطاعات عريضة من الشعب واستثمار هذا الخوف والهلع؛ إما للرضوخ والقبول بالإجراءات القمعية التي تمارسها الأنظمة السلطوية، أو لانتخاب تيار بعينه في الأنظمة الديمقراطية.
هذه الإستراتيجية تعني باختصار، قيام الأنظمة المراد تدعيمها بعمل عمليات عنف دموية، ونسبتها إلى تيارات إرهابية وهمية أو مصطنعة؛ بغرض إحكام هذه الأنظمة السيطرة على الحكم عبر سياسات قمعية متشددة تروج لها حملات دعائية ضخمة ونشر معلومات مغلوطة ومضللة واعتماد تكنيكات الحرب النفسية كي يؤيد الرأي العام هذه الأفعال، أو على الأقل يقف على الحياد.
استخدامها في إيطاليا
وقد تبنى حلف النيتو هذه الإستراتيجية في إيطاليا في القرن الماضي؛ لإقصاء الشيوعيين الذين كانوا يشكلون أغلبية في البرلمان دون أن يسمح لهم ذلك بتشكيل الحكومة! وذلك عبر تشويههم ووصفهم بالإرهاب جراء العمليات التي تقوم بها منظمة الألوية الحمراء السرية المتطرفة الإرهابية، وهي المنظمة التي وصل بها الأمر إلى اختطاف رئيس الوزراء الإيطالي وقتل خمسة من حراسه الشخصيين، في اليوم الذي كان ذاهبًا فيه إلى البرلمان ليعقد صفقة تاريخية مع الشيوعيين.
وفي مارس 2001، ألمح الجنرال جيانديليو ماليتي، القائد الأسبق لمحاربة الجاسوسية في إيطاليا، إلى أن الاغتيالات التي أفقدت الشيوعيين الإيطاليين الثقة، تلقت كذلك موافقة البيت الأبيض وجهاز المخابرات الأمريكية، علاوة على موافقة الشبكة السرية الإيطالية، والمصالح السرية العسكرية الإيطالية، والفرق الإرهابية اليمينية المتطرفة.
استخدامها في الجزائر
وقد اعتمدت هذه السياسة نظمًا قمعية أخرى عدة؛ أشهرها الجيش الجزائري عقب الانقلاب الذي قام به على الانتخابات والمسار الديمقراطي عام 1992 بعد أن أثمرت الجولة الأولى عن فوز الإسلاميين؛ حيث اتضح بعد ذلك أن كثيرًا من أعمال القتل والعنف التي حدثت في الجزائر كانت بتدبير من الجيش نفسه!!  والذي نسبها بطبيعة الحال للإسلاميين.
كتاب الحرب القذرة
جاء في مقدمة كتاب الحرب القذرة الذي يروي فيه حبيب سويدية - وهو ضابط سابق في القوات الخاصة في الجيش الجزائري 1992 -2000 - أساليب الجيش الجزائري في القمع والتنكيل بالمعارضين، تحت عنوان فرعي باسم "إستراتيجية التوتر" ص 16 و17 بتصرف.
غداة انقلاب يناير عام 1992، بدأت هجمات ضد رجال الشرطة والعسكريين، وكان القمع الحكومي فظًا. لم يكن لجنود وضباط القوات الخاصة في الجيش الوطني الشعبي خبرة بمكافحة الإرهاب، مما جعلهم مادة سهلة للتلاعب، ولم يكن للسكان أية ثقة بهذه الوحدات التي تتدخل دون أي احترام لحريات المواطنين.
كانوا يقومون بعمليات توقيف وتمشيط وتفتيش واسعة تطول أشخاصًا بمجرد اشتباه بشراكتهم مع الإرهابيين، وليس بناءً على حجج قانونية.. ومنذ عام 1992 استهدف جوهر عمليات القمع السكان المدنيين الذين يفترض أنهم يدعمون الجماعات المسلحة أكثر مما استهدف هذه الجماعات (!!)..".
وفي الحقيقة كانت هذه الإستراتيجية أداة في أيدي الهرم العسكري ونخبة قليلة من أصحاب الامتيازات للاحتفاظ بالسلطة، إنها تشبه على نحو فريد تلك الإستراتيجية التي تبنتها في إيطاليا سلطة خفية ولكن حقيقية.. عندما راحت الألوية الحمراء تعيث فسادًا، فلجأت هذه السلطة الخفية إلى عمليات قتل جماعية (هجمات عمياء يشك بمرتكبيها) من أجل تعزيز أركانها بفضل عدم الاتزان العام الناتج عن انعدام الأمن المعمم، ومن أجل منع أي تغيير عن طريق تحويل اهتمام البلاد عن المشكلات الاجتماعية التي لم تحل.
استخدامها في الشرق الأوسط
وبمجرد خروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، كانت الولايات المتحدة بحاجة لعدو جديد تنصرف إليه أنظار العرب عن إسرائيل؛ لتثبيت اتفاق السلام الجديد من ناحية، ولإيجاد موطئ قدم لقواعدها العسكرية في المنطقة من جهة أخرى، بعد أن تم استخدام النفط كسلاح إستراتيجي في حرب أكتوبر، والقرار الأميركي بوضع أيديهم على منابع النفط، حتى لا يتكرر هذا الأمر مجددا!
الثورة الإيرانية: العدو في الثمانينيات
كان هذا العدو هو إيران، فمع قيام الثورة الإيرانية شجعت الولايات المتحدة العرب -وعلى رأسهم صدام حسين- في دخول حرب مع إيران، بدعوى التخوف من تصدير الثورة.
من جهة أخرى كانت الولايات المتحدة تمد إيران بالسلاح بما يسمح دومًا باستمرار المعركة واستنزاف العرب.
وصدق الدكتور عزمي بشارة حين قال إن حرب الخليج الأولى (مع إيران) هي الحرب الوحيدة التي خاضها العرب مجتمعين!
العراق: العدو في التسعينيات
وعند انتهاء الحرب في نهاية عقد الثمانينيات، كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى عدو جديد، وكان هذا العدو هو صدام حسين الذي أوعزت له أميركا باجتياح الكويت، بدعوى أنه لا توجد اتفاقيات دفاع مشترك بين واشنطن والكويت! وفي ظل ثلاثة أشهر تحول صدام حسين من أكبر حلفاء واشنطن إلى أكبر عدو لها، وعليه أتت القوات الأميركية لتحتل منابع النفط بتوسلات عربية.
القاعدة: العدو في الألفينات
وبعد عشر سنوات أخرى، كانت أميركا في حاجة إلى عدو جديد، يضمن استمرار حملتها العسكرية على المنطقة، وبعد انتهاء تمثيلية تصدير الثورة واستنزاف العراق جاء الدور على تنظيم القاعدة!
أصبح الجميع في العالم يتحدثون عن القاعدة ومخططات القاعدة وعمليات القاعدة... إلخ.
الآن "داعش": عدو هذا العقد
واستمر التستر خلف قتال القاعدة عشر سنوات أخرى، حتى أفل نجمها، وهنا كانت الحاجة لمنظمة إرهابية جديدة يحاربونها "False flagged terrorist"، وهنا جاء الدور على "داعش"!
ختامًا
هناك الكثير من الأقاويل حول "داعش"، ودوره المشبوه في العراق وسوريا وليبيا، لكن الأكيد أن ضباطًا سابقين في الجيش المصري نفذوا عمليات لصالح "داعش"، منها عملية اختطاف الزورق الحربي في دمياط. (اعترف بذلك المتحدث العسكري نفسهوالأكيد أن ضباطًا سابقين في الجيش العراقي وحزب البعث أعضاء في "داعش". والأكيد كذلك أن أحمد قذاف الدم ابن عم معمر القذافي قد دافع عنهم مرارًا وتكرارًا، منها مرة على فضائية مصرية أمام وائل الإبراشي.
ومن المعروف، أن هذه الأنظمة وهذه الجيوش جميعها صنيعة غربية، والغرب لا يضمن انتشاره وهيمنته العسكرية إلا بوجود هذه الأشباح التي ينسب لها أعمال عنف تسلط عليها الكاميرات الأضواء، بينما يتم سحق الجماعات الأكثر وسطية ونبذًا للعنف من ناحية؛ لأنهم يفسدون ادعاءات الغرب ويقوضون مصداقية ومشروعية الأنظمة الاستبدادية التابعة له، والتي تروج بضاعتها فقط أوقات الخوف والتوتر والإرهاب! ومن ناحية أخرى يتم غض الطرف عن إرهاب الصهاينة في فلسطين المحتلة أو بشار الأسد في سوريا، رغم استخدامهما أسلحة كيماوية وعنقودية وفسفورية محرمة دوليا!

لذا فلا عجب أن تم إعلان جماعات إسلامية معروف أنها ليس إرهابية بأنها إرهابية، وروابط الألتراس الكروية إرهابية، وحركة حماس إرهابية، وكل ذلك على خلفية ما تقوم به جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء، والتي تكفر الجميع بمن فيهم الإخوان، ويا للمفارقة، فإن النظام المصري لم يعلنها جماعة إرهابية إلا منذ وقت قريب!
أحمد نصار 

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال